سورة الأحقاف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)}
القربان: ما تقرب به إلى الله تعالى، أي: اتخذوهم شفعاء متقرباً بهم إلى الله، حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين المحذوف، والثاني: آلهة. وقرباناً: حال ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً وآلهة بدلاً منه لفساد المعنى. وقرئ {قربانا} بضم الراء. والمعنى: فهلا منعهم من الهلاك آلهتهم {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي غابوا عن نصرتهم {وَذَلِكَ} إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم وضلالهم عنهم، أي: وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة، وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب من كونه ذا شركاء. وقرئ {إفكهم}، والأفك والإفك: كالحذر والحذر. وقرئ: {وذلك إفكهم} أي: وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق. وقرئ: {أفكهم} على التشديد للمبالغة. وآفكهم: جعلهم آفكين. وآفكهم، أي: قولهم الآفك ذو الإفك، كما تقول قول كاذب، وذلك إفك مما كانوا يفترون، أي: بعض ما كانوا يفترون من الإفك.


{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)}
«وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى صرط مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين»
{صرفنا إليك نفرا} أملناهم إليك وأقبلنا بهم نحوك. وقرئ: صرفنا بالتشديد لأنهم جماعة. والنفر: دون العشرة. ويجمع أنفارا. وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا {فلما حضروه} الضمير للقرآن. أي: فلما كان بمسمع منهم. أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وتعضده قراءة من قرأ فلما قضى أي أتم قراءته وفرغ منها {قالوا} قال بعضهم لبعض {أنصتوا} اسكتوا مستمعين. يقال: أنصت لكذا واسنتصت له. روى: أن الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا: ما هذا إلا لنبأ حدث فنهض سبعة نفر أو تسعة من أشراف جن نصيبين أو نينوى: منهم زوبعة فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا إلى وادي نخلة فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلي أو في صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته وذلك عند منصرفه من الطائف حين خرج إليهم يستنصرهم فلم يجيبوه إلى طلبته وأغروا به سفهاء ثقيف.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم وإنما كان يتلو في صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم. وقيل: بل أمر الله رسوله أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرا منهم جمعهم له فقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني: قالها ثلاثا فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لم يحضره ليلة الجن أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون فخط لي خطا وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم افتتح القرآن وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت شيئا؟ قلت: نعم رجالا سودا مستثفري ثياب بيض فقال: اولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر ألفاً والسورة التي قرأها عليهم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ} [العلق 1] فإن قلت كيف قالوا مِن بَعْدِ مُوسَى قلت عن عطاء رضي الله عنه أنهم كانوا على اليهودية وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنّ الجنّ لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام فلذلك قالت مِن بَعْدِ مُوسَى فإن قلت لم بعَّض في قوله مّن ذُنُوبِكُمْ قلت لأن من الذنوب مالا يغفر بالإيمان كذنوب المظالم ونحوها ونحوه قوله عزّ وجل: {أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [نوح 34] فإن قلت هل للجن ثواب كما للإنس قلت اختلف فيه فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار لقوله تعالى وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وإليه كان يذهب أبو حنيفة رحمه الله والصحيح أنهم في حكم بني آدم لأنهم مكلفون مثلهم فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الاْرْضَ أي لا ينجي منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق ونحوه قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الاْرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} [الجن 12].


{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)}
{بقادر} محله الرفع؛ لأنه خبر أن، يدل عليه قراءة عبد الله {قادر} وإنما دخلت الباء لاشتمال النفي في أوّل الآية على أن وما في حيزها. وقال الزجاج: لو قلت: ما ظننت أنّ زيداً يقائم: جاز، كأنه قيل: أليس الله بقادر. ألا ترى إلى وقوع بلى مقرّره للقدرة على كل شيء من البعث وغيره، لا لرؤيتهم. وقرئ: {يقدر}، ويقال: عييت بالأمر، إذا لم تعرف وجهه. ومنه: {أَفَعَيِينَا بالخلق الاول} [ق: 15].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8